منتديات القانون الجزائري


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات القانون الجزائري
منتديات القانون الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ضوابط التعديل الدستوري

اذهب الى الأسفل

ضوابط التعديل الدستوري Empty ضوابط التعديل الدستوري

مُساهمة  algerianlawyer السبت أكتوبر 10, 2009 2:34 pm

ملخص المداخلة الموسومة بـ: ضوابط التعديل الدستوري
بقلم: الأستاذ قاشي علال، جامعة سعد دحلب –البليدة- كلية الحقوق

إن الدستور يسمو على كافة القوانين وهذه المكانة تترجم من خلال طريقة وضع الدستور فسمو هذا الأخير من حيث إصداره تبرر خضوع كل السلطات لحكمه إذ شرعية وجود هذه السلطات وممارستها لإختصاصها تستمد منه، ومن جهة ثانية فإن الدستور يتضمن أدوات تضمن تفعيل نصوصه وتعكس سموه... وما يكرس سمو الدستور إجراءات تعديله التي تتسم بالتعقيد خاصة الدساتير الجامدة ومنها الدستور الجزائري (63، 76، 89، 96)
إن الدساتير عادة تتضمن مجموعة من القيود التي يستند إليها عند التعديل وسبب ذلك هو الحفاظ على الوثيقة الدستورية وإستجابة لظروف متنوعة تجعلها قابلة للتعديل في ظل هذه القيود ومن مثل هذه الإعتبارات فإن الدساتير تقيم نوعا من التوازن بين الحاجة إلى صيانة نصوصها من العبث بواسطة وضع ضوابط دقيقة لبلوغ تعديلها وبين الحاجة إلى إحداث مواءمة بين هذه النصوص والواقع الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والسياسي فلم تذهب إلى الحظر المطلق أمام تعديل دستوري إعتقادا منها بأن التغيير ضروري لبقاء وحماية الدستور.
إن قيود التعديل الدستوري تتنوع وتختلف من دولة لأخرى من حيث القيمة القانونية ومدى الأخذ بها خاصة إذا كانت سلطة التعديل ليست هي سلطة وضع الدستور فالتعديل ضرورة وإستجابة للمتطلبات ومطمح المجتمع المدني في بعض الأحكام الدستورية التي لا تتلاءم مع الزمن لكن السؤال المطروح يكمن فيمايلي:
ماهي مختلف الضوابط القانونية للتعديل الدستوري (القيود)، وماهي القيمة القانونية لقيود التعديل، والأسس التي تقوم عليها قيود التعديل؟
الإجابة عن ذلك تكون في منهج تحليلي ومقارن وفق العناصر التالية:
مقدمة
أولا: الضوابط الشكلية لإجراء التعديل الدستوري.
ثانيا: الضوابط الموضوعية لإجراء التعديل الدستوري.
ثالثا: القيمة القانونية لقيود تعديل الدستور.
رابعا: أسس قيود التعديل.
خاتمة
ويكون تفصيل للموضوع إذا حظي بالقبول من طرف اللجنة العلمية الموقرة.
مقدمة:
إن الدستور يسمو على كافة القوانين وهذه المكانة تترجم من خلال طريقة وضع الدستور فسمو هذا الأخير من حيث إصداره تبرر خضوع كل السلطات لحكمه إذ شرعية وجود هذه السلطات وممارستها لإختصاصها تستمد منه، ومن جهة ثانية فإن الدستور يتضمن أدوات تضمن تفعيل نصوصه وتعكس سموه... وما يكرس سمو الدستور إجراءات تعديله التي تتسم بالتعقيد خاصة الدساتير الجامدة ومنها الدستور الجزائري (63، 76، 89، 96)
إن الدساتير عادة تتضمن مجموعة من القيود التي يستند إليها عند التعديل وسبب ذلك هو الحفاظ على الوثيقة الدستورية وإستجابة لظروف متنوعة تجعلها قابلة للتعديل في ظل هذه القيود ومن مثل هذه الإعتبارات فإن الدساتير تقيم نوعا من التوازن بين الحاجة إلى صيانة نصوصها من العبث بواسطة وضع ضوابط دقيقة لبلوغ تعديلها وبين الحاجة إلى إحداث مواءمة بين هذه النصوص والواقع الإقتصادي والإجتماعي والثقافي والسياسي فلم تذهب إلى الحظر المطلق أمام تعديل دستوري إعتقادا منها بأن التغيير ضروري لبقاء وحماية الدستور.
إن قيود التعديل الدستوري تتنوع وتختلف من دولة لأخرى من حيث القيمة القانونية ومدى الأخذ بها خاصة إذا كانت سلطة التعديل ليست هي سلطة وضع الدستور فالتعديل ضرورة وإستجابة للمتطلبات ومطمح المجتمع المدني في بعض الأحكام الدستورية التي لا تتلاءم مع الزمن لكن السؤال المطروح يكمن فيمايلي:
ماهي مختلف الضوابط القانونية للتعديل الدستوري (القيود)، وماهي القيمة القانونية لقيود التعديل، والأسس التي تقوم عليها قيود التعديل؟

أولا: الضوابط الشكلية لإجراء التعديل الدستوري: إن الدستور الجزائري الحالي الصادر في 28/11/1996 يعد من الدساتير الجامدة التي تتطلب إجراءات تختلف عن تلك المتطلبة لتعديل القوانين العادية إذ لا يعدل الدستور إلا وفق مراحل وإجراءات خاصة نصت عليها المواد 174، 175، 176، 177، من هذه المواد نجد بأن المبادرة بالتعديل فقد يكون مصدرها رئيس الجمهورية بناء على إقتراح ثلاثة أرباع أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين معا ويمكن عرض ذلك على الإستفتاء الشعبي ويتم إصدار التعديل بعد ذلك نهائيا. مع الإشارة إلى إمكانية تجاوز إجراء الإستفتاء إذ ما قرر رئيس الجمهورية عرض مشروع التعديل على مجلسي البرلمان وحاز أغلبية 3/4 الأعضاء الذين شاركو بالتصويت وبالرجوع إلى الدساتير المقارنة نجد البعض منها يتضمن القيود ذات الصبغة الشكلية والتي تقسم إلى قيود زمنية وقيود إجرائية كالدستور الفرنسي في مادته 89 وبعض النصوص الأخرى.
وهناك قيود أيضا واردة في الدستور المصري المادتين 189، 190، مع الإشارة إلى أن هذين المادتين لا يظهر منها أي حظر زمني يحدد نشاط السلطة التأسيسية المنشأة عند تعديل الدستور وهذا معناه تناول نصوص الدستور بالتعديل في أي وقت سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية. وبالرجوع إلى الدستور الفرنسي السابق في مادته 89 وبالرجوع أيضا إلى القرار رقم 92/312 المؤرخ في 2/09/1992 الصادر عن المجلس الدستوري نجده قد أعلن فيه أنه لا يمكن تعديل الدستور أو الإستمرار في متابعة التعديل الذي تم البدء فيه في أحوال زمنية معينة تستشف من المواد 7، 16، 89 من الدستور وهذه القيود الزمنية تتمثل فيمايلي:
حظر التعديل الدستوري في أحوال الإعتداء على أراضي الدولة: والحظر يعد منطقيا إذ يخشى في هذه الأحوال أن يكون مشروع التعديل حصل كأثر لضغط مورس على السلطة المختصة بإجراء التعديل.
حظر التعديل الدستوري في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية: وهذا ما تضمنته المادة 7 وكذلك الأمر بالنسبة للفترة الممتدة بين الإعلان النهائي عن عجز الرئيس عن مباشرة مهامه الرئاسية وتنتهي بإختيار رئيس خلفا له.
خظر التعديل الدستوري خلال العمل بالمادة 16 المنظمة لحالة الأزمة: لكن هذه المادة لم تنص على حظر التعديل الدستور() لكن الفقه يدرس هذه المسألة بخصوص السلطات الممنوحة لرئيس الدولة ويرون بأنه لا يجوز للرئيس مستخدما سلطته الإستثنائية تعديل الدستور لتناقض ذلك مع مهمته كحارس للدستور وعلى الرئيس أن يعيد السير العادي للسلطات الدستورية لكن منذ 1992 أصبح هذا الحظر يدرس كأحد القيود المرتبطة بالنصوص الدستورية وفي 2/9/1992 أضاف المجلس الدستوري حظرا زمنيا جديدا على تعديل الدستور في القرار الخاص بمعاهدة ماستريخت فأعلن عدم جواز التعديل أثناء العمل بالسلطات الإستثنائية المستمدة من المادة 16 من الدستور.
أما القيود الإجرائية المتعلقة بتعديل الدستور تتركز حاليا في المادة 89 إذ وردت في الباب المعنون "بالتعديل" وتبدأ الإجراءات بالمبادرة أو رغبة التعديل أو الإقتراح لكل من رئيس الجمهورية بناء على إقتراح الوزير الأول، ولأعضاء البرلمان بالجمعية الوطنية أو مجلس الشيوخ ويعقب الإقتراح إعداد التعديل ويختص بذلك البرلمان بمجلسيه ولا يمكن لأي تعديل دستوري أن يرى النور ما لم يتم الإتفاق عليه من قبل الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ ويتم إعداد مشروع التعديل الدستوري بنفس إجراءات إعداد النصوص التشريعية العادية وبعد هاتين المرحلتين تبدأ مرحلة إقرار التعديل الذي تم التصويت عليه من قبل البرلمان وهناك وسيلتين بيد رئيس الجمهورية وهما إما الإستفتاء، وإما التصويت على المشروع من مجلسي البرلمان في شكل مؤتمر ويظل الإستفتاء الطريق العادي لإقرار التعديل الدستوري إلا أن الدستور لا يحدد إجراءات الإستفتاء ولرئيس الجمهورية سلطة تقديرية من حيث تاريخ الإستفتاء ودعوة الهيئة الإنتخابية للتصويت. أما المرحلة الرابعة من مراحل التعديل الدستوري تتمثل في إصدار الدستور من قبل رئيس الجمهورية بعد التصديق عليه خلال 15 يوما تلي تحويل نص مشروع التعديل إلى الحكومة.
أما بالنسبة للتعديل الدستوري الجزائري المنصوص عليه في المواد من 174 حتى 178 وبالرجوع إلى هذه المواد لا يظهر لنا أي قيد زمني على عكس الحال في فرنسا لكن يمكن القول في هذا المجال بحظر زمني يكمن أثناء تطبيق المواد 91، 92، 93، 94، 95، 96 من الدستور ففي مثل هذه الظروف والأوضاع الإستثنائية لا يمكن إجراء تعديل دستوري.
ولا يمكن أن يكون الوصول إلى صيانة الوحدة الوطنية أو المؤسسات الدستورية بتعديل الدستور ولهذا نرى بأن فترة تطبيق المادة 93 من الدستور من القيود الزمنية التي تحول دون تعديل الدستور وهنا يمكن أن نشير إلى فروض يمكن أن تستخلص من روح الدستور في مجمله وتصلح كقيود زمنية تحول دون إمكانية تعديل الدستور أثناء حصولها وهذه الفروض هي: حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل المادة 88، الفترة بين حل البرلمان وقبل إنتخاب مجلس جديد، أثناء أو في حالة العدوان على إقليم الدولة.
أما بخصوص القيود الإجرائية فأشار إليها دستور 96 و يمثل إقتراح التعديل الخطوة الأولى الممنوحة لرئيس الجمهورية وأعضاء غرفتي البرلمان وهذا من أجل إقامة توازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ولو تقدم البرلمان بطلب الإقتراح فيشترط أن يكون موقعا من قبل 3/4 أعضاء غرفتي البرلمان وفي هذا الوضع فإنه لا يمكن تقديم طلب التعديل من تمثيل برلماني خارج الحزب الحاكم كما أن الطلبات الفردية بتعديل الدستور المقدمة من أطراف أعضاء البرلمان لا تجيزها النصوص وإن كانت النصوص لا تشير إلى ذلك إطلاقا. وفي مرحلة أخرى نجد الإستفتاء على تعديل الدستور فإذا وافق الشعب على التعديل أعتبر نافذ من تاريخ إعلان نتيجة الإستفتاء ونشير إلى أن الدستور الجزائري لم يجعل وسيلة الإستفتاء هي الوحيدة لإقرار التعديل الدستوري حاله كالدستور الفرنسي بل للرئيس الخيار بين أن يلجأ إلى الإستفتاء أو أن يلجأ إلى طلب التصويت على مشروع التعديل من قبل مجلسي البرلمان مجتمعين المادة 176.

ثانيا: الضوابط الموضوعية لإجراء التعديل الدستوري: بالرجوع إلى المادة 178 من الدستور نجدها تنص على حالات لا يمكن إجراء تعديل دستوري إذا كان يمس بها وهي حالات حصرية إذ لا يكون أي تعديل يمس بالطابع الجمهوري للدولة ولا بالنظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية ولا يمس بالإسلام بإعتباره دين الدولة، ولا بالعربية بإعتبارها اللغة الوطنية والرسمية، ولا يمس بالحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن، ولا بسلامة التراب الوطني ووحدته.
وبالرجوع إلى الدستور الفرنسي نجده قد نص على قيد موضوعي واحد تلتزم به السلطة التأسيسية المنشأة بإحترامه عند إحداث أي تعديل وهذا القيد كرسته الفقرة الأخيرة من المادة 89 والتي تنص على أن: "الشكل الجمهوري للحكومة لا يمكن أن يكون محلا لتعديل دستوري" وظهر هذا الحظر في فرنسا لأول مرة في المادة الثانية من دستور 14 أغسطس 1884 وبنفس الصيغة الحالية تقريبا وأعيد التأكيد عليه في دستور الجمهورية الرابعة لعام 1946 في المادة 92 من الدستور.
لكن ماذا يقصد بكلمة الجمهوري؟ من الناحية القانونية كلمة الجمهورية تتضمن تفسيرين الأول ضيق ويعبر عن الجمهورية كشكل لنظام الحكم وتعبر عن كيفية إنتخاب رئيس الدولة إذ الجمهورية تعرف كمقابل لِلْمَلَكِيَة أما التفسير الثاني الواسع للشكل الجمهوري وحسب بعض الفقهاء() يضم تعريفات ضرورية للقول بوجود الجمهورية مثل المبادئ الديمقراطية والإقتراع العام والفصل بين السلطات ويشمل تعريف الشكل الجمهورية كل المبادئ (اللغة، العلم، الشعار الوطني، النشيد، حكومة الشعب) وقد يشمل معنى الجمهورية إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789. وبالمعنى الضيق للجمهورية نجده لا يتضمن سوى أن يكون منصب رئيس الدولة غير وراثي بمعنى أن التعديل الدستوري يجب ألا يتضمن إعادة الملكية إلى فرنسا وقد وضع المؤسس الدستور الجزائري قيود موضوعية بخصوص أي تعديل دستوري ونأمل أن تتم المحافظة على تلك الأمور الممنوعة من أن يشملها ويمس بها أي تعديل على إعتبار أن هذا الخطر معناه عدم جواز تعديل بعض مواد الدستور() في أي وقت من الأوقات وذلك رغبة منه في المحافظة على الدعائم الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي في الدولة مثل الحظر بصفة دائمة تعديل النصوص التي تتعلق بالشكل الجمهوري للدولة كما قلنا سابقا وتشترك في هذا الحظر كلا من إيطاليا بموجب دستور 1947 وتركيا بموجب دستور 1964 وكذلك الدستور الكويتي الصادر في 1962 الذي حظر الأحكام الخاصة بالنظام الأميري وبمادئ الحرية والمساواة وحرم دستور المملكة المغربية الصادرة في 1972 تعديل النصوص المتعلقة بالنظام الملكي أو بالدين الإسلامي ونجد بأن الحظر الموضوعي لبعض مواد الدستور لفترة معينة أقل حدوثا من حالات الحظر الدائم ونجد مثل هذا الحظر في دستور مصر الملكي سنة 1923 الذي حرم تعديل أحكام وراثة العرش في أثناء فترة الوصاية على العرش وكذلك الحال بالنسبة لدستور المملكة الأردنية الهاشمية الصادر في 1953.
إن المتمعن في دستورنا نجد بأن المشرع توسع في الحالات التي يجب ألا يمسها أي تعديل ومن ثمة كفانا مشقة في البحث عن معنى الجمهورية وهل تستوعب بعض المبادئ الأخرى ومن جهة ثانية فإن المؤسس الدستوري أراد أن يبعد فكرة الملكية رغم أنها لم تكرس في الجزائر أي بدون خلفية تاريخية بخلاف المؤسس الدستوري الفرنسي الذي نص على ذلك من خلفية تاريخية محضة وهي مرحلة الوارثة.
ثالثا: القيمة القانونية لقيود تعديل الدستور: رأينا سابقا بأن القيود الشكلية والموضوعية الواردة في الدستور الجزائري والمصري والفرنسي والتي تفرض على السلطة التأسيسية المنشأة عند تعديل الوثيقة الدستورية لكن التساؤل المطروح يدور حول معرفة القوة القانونية لمثل هذه القيود، وهل يمكن للسلطة التأسيسية أن تتجاوزها وهل تتصف هذه القيود بصفة الجمود، وإذا توافرت لها هذه الصفة فهل الجمود نسبي أم مطلق؟ في هذا الصدد ذهب فقهاء القانون الدستوري إلى عدة إتجاهات بخصوص تحديد القيمة القانونية للنصوص التي تحظر التعديل سواء كان زمنيا أو حظر تعديل بعض مواد الدستور بشكل مطلق.

الإتجاه الأول:
يجمع أنصار هذا الإتجاه على تجريد النصوص التي تحظر تعديل الدستور من أي قيمة قانونية، ودون إستثناء أو تمييز، فلا تعدو أن تكون مجرد رغبات تفتقر على أية قيمة أو قوة ملزمة، تخالف طبيعة الدستور وماهيته.
فالدستور بوصفه تجسيدا للحاجة إلى تنظيم الدولة يكون قابلا للتعديل والتبديل، لمسايرة الظروف المتغيرة التي تعيشها الدولة، والأكثر من ذلك أن حظر التعديل كما يرى أنصار هذه الإتجاه يخالف مبدأ سيادة الأمة، ويحرم هذه الأخيرة من أهم عناصر سيادتها، أي ممارسة السلطة التأسيسية وإدخال ما تراه مناسبا من تعديلات على الدستور، تماشيا مع تغيير الظروف وتطور الحياة السياسية، والإجتماعية والإقتصادية.
ويرى أنصار هذا الإتجاه أن السلطة التأسيسية التي قامت بوضع الدستور في وقت معين لا تملك الحق في تقييد السلطة التأسيسية التي تعبر عن إرادة الأمة في المستقبل (فكل أمة – كما قرر رجال الثورة الفرنسية في دستور سنة 1791- لها الحق الذي لا يمكن سقوطه بمضي المدة، في تغيير الدستور. كما أن الشعب كله – كما جاء في وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1793 – يكون له دائما أن يعدل دستوره ويغيره، وأن جيلا من الأجيال لا يملك أن يخضع لقوانينه الأجيال القادمة).
ومن هنا ينطلق هذا الإتجاه في رفض النصوص الدستورية التي تحظر تعديل الدستور، ويجردها من أي قيمة دون تمييز، سواء كان حظر التعديل مطلقا، أو مؤقتا، أو لظروف خاصة.

الإتجاه الثاني:
يجمع أصحاب هذا الإتجاه بعكس ماذهب إليه الإتجاه الأول على أن النصوص التي تحظر تعديل الدستور تعد مشروعة، وتتمتع بقوة قانونية ملزمة، وبلا تمييز، وإن كان من الممكن أن يحدث عكس ذلك من الناحية السياسية.
ويقدم أنصار هذا الإتجاه سندهم على أساس أن حظر التعديل، وإن كان يبدو متعارضا مع سيادة الشعب، وحقه في ممارسة السلطة التأسيسية، فإنه لا يجوز تجاهل هذه السيادة، لأن هذه النصوص في النهاية ليست إلا تعبيرا عن سيادة الشعب، وبهذا فإن النصوص التي تحظر التعديل تعد صحيحة من وجهة النظر القانونية، ويجب إحترامها، إحتراما للسيادة التي عبرت عنها.

الإتجاه الثالث:
ظهر هذا الإتجاه للتخفيف من حدة الإتجاهين السابقين، ويرى أنصاره أن ما ذهب إليه الفقهاء بشأن إقرار مشروعية النصوص التي تحظر التعديل لا يعني بأي حال من الأحوال عدم جواز تعديل هذه النصوص، فهم يفرقون بين مشروعية النص، ومشروعية التعديل، ويذهبون إلى أنه على الرغم من تمتع النص بالقوة القانونية الملزمة، فإنه يجوز تعديل الدستور عند الحاجة إلى ذلك، على أساس أن القيمة الفعلية لهذه النصوص تنحصر في كونها تؤدي إلى منع إجراء التعديل إلا بعد روية وتفكير.
إذا هذا الإتجاه ينتهي إلى التوفيق بين الإعتبارات القانونية، وبين الإعتبارات السياسية، فهو يحافظ على إحترام مبدأ المشروعية من جهة، ومن جهة ثانية لا يغفل إرادة الأجيال الحالية والأجيال المقبلة، إذا ما إستدعت الحاجة إلى التعديل، وتوفر القبول الشعبي.

الإتجاه الرابع:
يذهب أنصار هذا الإتجاه – وعلى رأسهم جورج بوردو – إلى وجوب التفريق بين نوعين من أنواع الحظر: فالنصوص التي تحظر تعديل بعض أحكام الدستور (حظر موضوعي) بشكل دائم تفتقر إلى القمية القانونية، ولهذا فهي باطلة كونها قيدا على مبدأ سيادة الأمة، إذ لا تستطيع السلطة التأسيسية الحالية أن تضع قيودا على سيادة الأمة في المستقبل، وعلى سلطتها التأسيسية تجاه الأجيال القادمة. بينما يقر هذا الإتجاه بمشروعية النصوص التي تحظر التعديل لمدة زمنية محددة، أو في ظروف معينة، وهذه النصوص ملزمة، لما تتمتع به من قيمة قانونية.
ويدعم هذا لإتجاه ما ذهب إليه على أساس إختلاف نوعي الحظر السابقين، ولهذا ليس من المنطق أن يأخذا الحكم نفسه.
إذا لا يعدو النوع الأول أن يكون جمودا مطلقا كليا لهذه النصوص، الأمر الذي رفضه معظم فقهاء القانون الدستوري، وليس الفرق بين الحظر -الذي رفضه أنصار هذا الإتجاه- والجمود المطلق الكلي الذي يلحق جميع نصوص الدستور، إلا أن الأول ما هو إلا جزء من الثاني، ولهذا يأخذ حكمة في البطلان.
ويجد النوع الثاني مشروعيته في أنه لا يحرم الأمة ممارسة سلطتها التأسيسية، إنما يأخذ بالحسبان ظروف ممارسة هذه السلطة من ناحية، ومن ناحية ثانية ليس هناك من فارق بينه وبين إبداء الرغبة في تعديل والتصويت على تعديل الدستور، حيث يشترط مرور مدة زمنية معينة بين تقديم إقتراح التعديل والتصويت عليه، وهذا ما لا يختلف الفقهاء حول مشروعيته.
ولعل هذا الإتجاه أكثر منطقية وقبولا من غيره من الإتجاهات الأخرى نظرا للحجج التي قام عليها.



الإتجاه الخامس:
يقوم هذا الإتجاه على أساس التفريق بين قيمة حظر التعديل بالنسبة للسلطة التأسيسية الأصلية، وقيمته بالنسبة للسلطة التأسيسية المنشأة، فالأول عديم القيمة لأن السلطة التأسيسية الأصلية تتمتع دائما باختصاص مطلق ولا يجوز تقييدها، بينما يجب إحترام حظر التعديل من قبل السلطة التأسيسية، لأن الدستور هو من أنشأها ومنحها إختصاصا محددا، فعند ممارستها لهذا الإختصاص يجب إحترام الحدود التي رسمها الدستور لها.
غير أن هذا الإتجاه، وإن كان يلقى تأييدا من جانب أستاذة القانون الدستوري في مصر، إلا أنه يثير التساؤل حول حقيقة هذه التفرقة التي تأسس عليها، ففي الحديث عن تعديل الدستور ليس منطقيا أن تقحم السلطة التأسيسية الأصلية في مهمة التعديل، خصوصا أن هناك شبه إتفاق على أن عمل هذه السلطة يكون في حالتين لم يزد الفقه الدستوري عليهما: هما حالة ولادة دولة جديدة، أو حدوث إنقلاب أو ثورة على نحو يحدث تغييرا جذريا في النظام السياسي القائم في الدولة.
فالدستور يكون غير موجود في الحالة الأولى ويسقط، أو يصبح غير نافذ في الحالة الثانية. وهذا ما يجعل من البداهة أن السلطة التأسيسية الأصلية لا تقيدها نصوص حظر التعديل ، لأن الدستور ذاته أصبح كأن لم يكن.
والقول بأن السلطة التأسيسية المنشأة عليها إحترام حظر التعديل كما جاءت به نصوص الدستور يعني أن هذه النصوص ملزمة، وهو ماذهب إليه أنصار الإتجاه الثاني، الأمر الذي يعني أن هذا الإتجاه لم يأت بجديد. وإذا كان الأمر غير ذلك، فإن هذا الإتجاه يكون قد أدخلنا في حلقة مفرغة، بحيث يجب علينا البحث من جديد في قيمة النصوص التي تحظر التعديل، والأساس القانوني الذي تقوم عليه.
وأخيرا لما كان هذا الرأي مبنيا على أساس أن السلطة التأسيسية الأصلية لا تتقيد بالنصوص التي تحظر التعديل، فما الفائدة من تقييد السلطة التأسيسية المنشأة بهذه النصوص، إذ لم يوضح هذا الإتجاه متى تعمل كل من السلطتين، ولم يفرق بينهما. وبتعبير آخر، إذا كان من الممكن اللجوء إلى السلطة التأسيسية المنشأة بحظر التعديل، والأكثر من ذلك ما فائدة وجودها؟.
ينتهي هذا الإتجاه إلى القول بأن تعديل النصوص التي حرم الدستور تعديلها يكون عن طريق السلطة التأسيسية الأصلية. فهذا الأمر لا يكون إلا بعد سقوط الدستور، وهنا لا نكون أما تعديل بل أمام تقنين جديد، لا لنصوص معينة، بل لدستور جديد.
رابعا: أسس قيود التعديل: نحاول في هذا الصدد تعميق مسألة القيمة القانونية لقيود التعديل من خلال بحث مناقشة إطارها القانوني ومعرفة شروط نفاذ مثل هذه القيود أي التعرض لفكرة القوة الملزمة أو لفكرة النفاذ القانوني لهذه القيود إذ القوة الملزمة لضوابط التعديل الدستوري ترتبط مباشرة بنفاذها القانوني فإذا كانت سارية فلها بالضرورة قوة ملزمة وهذا يجعلنا نشير إلى شروط مشروعية قيود التعديل الدستوري وفي هذا الصدد حتى نتمكن من فهم المجال الذي تنطبق فيه هذه الشروط يجب أن نفرق بين ثلاثة معايير() أو مفاهيم لفكرة المشروعية القانونية.
المعيار الغائي: المشروعية القانونية تتحدد وفقا لهذا المعيار في مدى توافقها مع القيم والنماذج غير المنصوص عليها في القانون الوضعي والتي تقيم في ضوء القواعد الأخلاقية والدينية وهنا يجب أن ننظر إلى ماهو كائن وما يجب أن يكون.
معيار الفاعلية: فاعلية القاعدة القانونية تتحدد بمدى الخضوع لها والنزول على أحكامها ويرتد هذا المعنى إلى معيار موضوعي يعتمد على رصد الواقع وتحديد إطاره القانوني وهذا ما يطلق عليه بمبدأ الواقعية القانونية الأمريكية وهو ما تتبناه المحاكم القضائية فعلا في ممارسة وظيفتها القضائية فالقانون يعرف بالنظر إلى نتائجه وليس بالنظر إليه كقاعدة نظرية. ووفقا لهذا المعيار يمكن القول بقانونية النصوص الدستورية المحددة لقيود تعديل الدستور إذا كانت فعالة ومؤثرة أي إذا كانت مطبقة من قبل سلطة تعديل الدستور.
معيار الإطار القانوني: إن المشروعية القانونية تتحدد في ضوء إنتمائها أو دخولها في نظام قانوني محدد وليس في ضوء أوصافها المجردة فالتعديلات الدستورية التي تجريها سلطة التعديل تستمد مشروعيتها القانونية من سنها بإحترام الضوابط والمعايير المنصوص عليها في الدستور لتعديله باعتبار أن هذه الضوابط والمعايير أسمى من الناحية القانونية من أي قواعد أو ضوابط تحدثها سلطة التعديل من خلال تعديلات دستورية لاحقة إذ الدستور يشكل نظاما قانونيا جوهريا تستمد من خلاله القواعد الأخرى صحتها بإعتبارها أدنى منه ولاحقة عليه وتجد أساسها فيه.
وعلى ضوء ماسبق فإن معيار الغاية لا يعول عليه لأنه يستند إلى مبادئ القانوني الطبيعي التي تقوم على العدالة وهي فكرة يصعب تحديدها بدقة على أساس موضوعي لأن قيمة العدالة قيمة متطورة وتختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص. لكن يبقى معيار الفاعلية و الإطار القانوني هما المحددان لشروط المشروعية القانونية لقيود تعديل الدستور ولكن حتى يتم الإعتراف لقيود التعديل بالقيمة والقانونية يجب توافر شرطين أولهما شكلي وثانيهما موضوعي.
أ- الشرط الشكلي: بمعنى أن هذه القيود يتضمنها الدستور نفسه وتتبع نظام قانوني محدد كجزء من الدستور فهذه القيود توجد في الدستور سواء لأنها وضعت بواسطة السلطة التأسيسية الأصلية أو وضعت من قبل السلطة التأسيسية المنشأة وفقا لقواعد وإجراءات وضمانات منصوص عليها في الدستور وبذلك فإن قيود تعديل الدستور تستوفي الشرط الشكلي.
ب- الشرط الموضوعي: فيجب أن تشمل على شرط الفعالية أو النفاذ للنظام الذي يشمله النص، وشرط الحد الأدنى من الفاعلية لقيود تعديل الدستور ذاتها، وبذلك متى سقط الدستور بأي صورة من الصور خاصة عن طريق الثورة تفقد قيود التعديل فعاليتها فمثلا في مصر صدر الأمر الملكي رقم 67 بتاريخ 30/11/1934 لاغيا لدستور 1930 وظلت البلاد دون دستور حتى 12/12/1935 تاريخ إعادة العمل بدستور 1923 ففي هذه الفترة البينية التي تجاوزت العام لا يمكن الحديث عن النظام القانوني لدستور 1930 الملغي ولا يمكن الحديث عن قيود تعديل الدستور ولا عن مشروعيتها القانونية لغياب النظام القانوني الذي تنتمي إليه.
ومن ناحية أخرى فإنه يجب أن تحوز قيود التعديل حدا أدنى من الفاعلية أي يجب تطبيقها عند الحاجة في بعض الحالات فمثلا لو أهمل أحد قيود التعديل الدستوري وكان إستعماله واجبا فإنه يفقد مشروعيته القانونية. وطالما أن الدستور ظل مطبقا ولم يلغ أو يسقط بثورة فإن قيود تعديله المنصوص عليها فيه تظل واجبة التطبيق والإحترام من قبل سلطة التعديل وهي سلطة مؤسسة وليست تأسيسية وتظل إرادتها قاصرة عن اختراق مثل هذه القيود نظرا لتمتع الدستور بأكمله بالنفاذ والفاعلية كنظام قانوني متكامل تستمد من خلاله العناصر المكونة له مشروعيتها القانونية وضوابط نفاذها.

الخاتمة:
إن فكرة التعديل الدستوري ضرورة اجتماعية وليس نزوة سياسية أو حاجة عارضة بموجبها يتم تعديل بعض مواد الدستور خدمة لمصالح فئوية معينة وقبل الحديث عن موضوع التعديل في حد ذاته يجب الإشارة إلى قيود تعديل الدستور والتي يتضمنها الدستور نفسه فيجب مراعاتها والاعتراف لها بالقيمة القانونية ثم مباشرة التعديل الذي تتعدد أسبابه فقد تكون سياسية وهنا يجب أن تتوافق إجراءات التعديل مع شكل الدولة ومع طبيعة نظام الحكم وتكون فنية وهو ما يعرف بقاعدة توازي الأشكال إذ تعديل الدستور لا يكون إلا من جانب سلطة على غرار السلطة التي وضعته وبمثل الإجراءات المتبعة عند إصداره ويجب أن يكون الهدف من التعديل هو إضفاء الثبات والإستقرار على القواعد الدستورية وحمايتها من الأهواء السياسية وهناك مراحل يمر بها تعديل الدستور يمكن إجمالها فيمايلي:

إقتراح التعديل، إقرار مبدأ التعديل، إعداد التعديل، الإقرار النهائي للتعديل.
وما يدور اليوم في الجزائر وغيرها من البلدان العربية عن فكرة تعديل الدستور فينبغي أن نؤكد على نقطة هامة وهي ضرورة أن تكون التعديلات نابعة من السلطة الجزائرية دون تدخل أو ضغط ويجب أن تكفل هذه التعديلات الحقوق والحريات الأساسية وأن تعطي هذه التعديلات الدستورية الجديدة الدور الفعال للمجتمع المدني والتأكيد على بعض الحقوق وأن يبين التعديل النظام المتبع بصورة واضحة على إعتبار أن الجزائر قد عرفت تعديلات لدساتيرها خلال فترات متباعدة وفي كل مرة يتضمن التعديل شيء جديد ويمكن إبداء بعض التوصيات:
ضرورة إحترام قيود التعديل الدستوري والنص على القيود الزمنية التي لا يمكن تعديل الدستور فيها (الحالة الإستثنائية، عجز الرئيس، حل البرلمان)
لا لتعديلات الدستورية المفروضة.
حظر التعديل الدستوري الذي يزيد في المساس بالحقوق والحريات.
ضرورة الإستفادة من تجارب الغير بخصوص التعديلات الدستورية.

algerianlawyer
عضو نشط
عضو نشط

المساهمات : 195
تاريخ التسجيل : 10/10/2009

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى