منتديات القانون الجزائري


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات القانون الجزائري
منتديات القانون الجزائري
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

القواعد الدستورية

اذهب الى الأسفل

القواعد الدستورية Empty القواعد الدستورية

مُساهمة  خالد الأحد سبتمبر 25, 2011 6:28 am

طبيعة القواعد الدستورية:
لقد ثار نقاش طويل بين الفقهاء حول طبيعة القواعد الدستورية، فهل هي قواعد قانونية بالمفهوم الضيق للكلمة؟ أم أن لها طبيعة أخرى غير قانونية؟ في الواقع لقد أنقسم الفقه إلى أكثر من اتجاه في هذا الخصوص: ذهب الاتجاه الأول إلى أن القواعد الدستورية هي قواعد قانونية أي أنها لا تختلف من حيث الطبيعة عن غيرها من القواعد التي تحكم الأنشطة المختلفة في الدولة ويستند هذا الاتجاه إلى مبدأ سمو الدستور، أي أن القواعد الدستورية تحتل قمة الهرم القانوني في الدولة ومن ثم فهي تعلو على غيرها من القواعد القانونية، وتعتبر في الوقت ذاته مصدر قانونية جميع القواعد في الدولة.
وبما أن القواعد الدستورية هي التي تمنح الصفة القانونية لجميع القواعد المطبقة في الدولة فعلية يجب أن تتمتع القواعد الدستورية بدورها بنفس الصفة التي تتمتع بها تلك القواعد وهي الطبيعة القانونية.
أما الاتجاه الفقهي الثاني، فقد أنكر الطبيعة القانونية على القواعد الدستورية وأساس ذلك يكمن في عنصر الجزاء. فالقاعدة الدستورية تورد قيوداً على السلطة الحاكمة التي تقوم بتوقيع الجزاء وفرض الطاعة على الأفراد، مما يؤدي إلى أن تكون تلك السلطة هي نفسها المطالبة بتوقيع الجزاء على نفسها إذا ما خرجت على القيود التي يفرضها القانون.
ولقد أدت هذه النتيجة إلى أن ذهب البعض من الفقهاء إلى أن القاعدة الدستورية ينقصها عنصر الجزاء، حيث يشترطون في الجزاء أن يكون مادياً تتكفل السلطة العامة بتوقيعه بما لديها من وسائل. إلا أن من الفقهاء من لا يشترط أن يكون الجزاء متمثلاً في الإكراه المادي الذي تقوم السلطة العامة بتوقيعه، ويرى أن الجزاء يمكن أن يتمثل في رد الفعل الاجتماعي الذي يترتب على مخالفة القاعدة القانونية فالجزاء يختلف باختلاف نوع القاعدة ذاتها وتختلف صورة وأنواعه بما يتناسب مع مضمون القاعدة القانونية والمصالح التي تحميها.
ولقد ذهب هذا الفريق من الفقهاء بناء على رأيهم في فكرة الجزاء إلى إن القاعدة الدستورية يتوافر فيها عنصر الجزاء ويتحقق لها جميع عناصر القاعدة القانونية.
ومما لاشك فيه إن هذا الجزاء المرسل (غير المنظم) لحماية القاعدة الدستورية، والذي يتمثل في الضغط الشعبي والاضطرابات والمظاهرات والانتفاضات والثورات يعد كافياً لإضفاء الطبيعة القانونية على القاعدة الدستورية، وذلك لاختلاف طبيعة العلاقات في القانون العام عنها في القانون الخاص، مما يستتبع اختلاف صور الجزاء.
ومما يؤكد أهمية هذا الجزاء غير المنظم أيضاً وبالتالي يؤكد الشعور بالالتزام بالقواعد الدستورية، إن السلطة العامة حينما تخالف بعض القواعد الدستورية لا تعترف يتلك المخالفة. وإنما تحاول أن تضع تبريرات وتفسيرات لتصرفها مما يظهرها أمام الرأي العام وكأنها لم ترتكب مخالفة دستورية.
وفضلا عن هذا الجزاء المرسل يوجد صور من الجزاء المنظم لحماية القاعدة الدستورية. فالدستور يتضمن النص على الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. كما يتضمن كذلك إعطاء الحق للبرلمان في مسائله أعضاء السلطة التنفيذية.
وبالنسبة للدول التي تأخذ بالرقابة القضائية على دستورية القوانين، فأن من حق القضاء الامتناع أو إلقاء القوانين المخالفة للدستور.
أما الاتجاه الفقهي الأخير: فيذهب إلى القول بأن للدستور طبيعة سياسية وأن هذه الطبيعة تكمن في (إن القواعد الدستورية لا يمكن أن تبين طريقة ممارسة السلطة دون أن تحدد أو تكرس القابضين على هذه السلطة لذلك فأن الدساتير حملت منذ نشأتها معنى ومدلولاً سياسياً حين استعملت كوسيلة لتكريس سلطة فرد أو فئة أو حزب أو طبقة).
ولقد تبني قانون اصطلاح النظام القانوني رقم (35) لسنة 1977. هذا الاتجاه حينما قال: (وعليه فأن الدستور هو، في حقيقته، تكريس لرؤى واختيارات سياسية للقيادة السياسية. وهذه الاختيارات السياسية تتعلق بالأسس الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي السياسية للمجتمع سواء طرحت كمعطيات مسلم بها أم كمنهاج ودليل عمل مستقبلي. كما أن هذه الاختيارات السياسية تتعلق أيضاً بطريقة ممارسة السلطة (الدستور بالمعنى الضيق) التي هي اختيار سياسي تمليه أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة.
فطريقة ممارسة السلطة في الدولة تتأثر بالأسس الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع كما أنها تؤثر في الوقت نفسه في هذه الأسس وعليه، فأن طبيعة القواعد الدستورية هي سياسية، وان الدستور مدلولاً سياسياً وان تضمنت الوثيقة الدستورية قواعد ذات طبيعة قانونية).



مبدأ سمو الدستور:
ويقصد بمبدأ سمو الدستور: علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة، وهذا يعني أن أي قانون تصدره الدولة يجب إلا يكون مخالفا للدستور، ولا فرق في كون الدستور مكتوباً أو عرفياً.
ويراد بسمو الدستور أيضاً إن النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوماً بالقواعد الدستورية، إن آية سلطة من سلطات الدولة لا يمكن أن تمارس إلا السلطة التي خولها إياها الدستور وبالحدود التي رسمها. ويعتبر مبدأ السمو من المبادئ المسلم بها في فقه القانون الدستوري حتى في حالة عدم النص عليه في صلب الوثيقة الدستورية.
تجد فكرة سمو الدستور، في الواقع أساسها في كتابات مفكري نظرية العقد الاجتماعي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الأوربي (إلا إنها لم تتبلور كمبدأ في عالم الواقع والقانوني) إلا بعد انتصار الثورتين الأمريكية والفرنسية.
وقد أعلن المبدأ لأول مرة في الدستور الأمريكي لعام 1787، حيث نصت المادة (6) منه على أن: (يكون هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر بموجبه، وجميع المعاهدات المبرمة أو التي ستبرم بموجب سلطة الولايات المتحدة، القانون الأعلى للبلاد، ويلزم بذلك القضاة في كل ولاية بغض النظر عما يناقض هذا في دستور أو قوانين أية ولاية).
وبعد الثورة الفرنسية ساد مبدأ سمو الدستور في الفقه الدستوري الأوربي ومن الدساتير الأوربية التي نصت علية سراحة الدستور التشيكوسلوفاكي لعام 1920، وكذلك الدستور الإيطالي عام 1947، إذ نصت هذه الدساتير على أنها تتمتع بقوة تكون ملزمة لجميع السلطات العامة في الدولة.
غير أن مبدأ سمو الدستور لم يقتصر فقط على دساتير الديمقراطيات الغربية، بل أمتد وشمل دساتير الدول الاشتراكية أيضاً ومنها دستور الاتحاد السوفيتي لعام 1977، إذ نصت المادة (173) منه على أن (لدستور التحاد السوفيتي قوة القانون الأعلى – وجميع القوانين وسائر مقررات هيئات الدولة تصدر على أساس دستور الاتحاد السوفيتي ووفقاً له). وقد نصت الفقرة (3) من المادة (88) من دستور ألمانيا الديمقراطي الصادر في نيسان عام 1968، على أنه (لا يجوز للتعاليم القانونية أن تتعارض مع الدستور. ويقرر مجلس الشعب صحة دستورية التعليم القانونية في حالة الشك فيها).
هذا وقد تبنت دساتير دول العالم الثالث مبدأ سمو الدستور ونصت عليه بعض دساتيرها، من ذلك دستور جمهورية الصومال (الصادر في عام 1960، حيث أوجبت المادة (98) منه ضرورة مطابقة القوانين لأحكام الدستور وألزمت جميع الهيئات الحاكمة وجميع الأشخاص التابعين للدولة بالحفاظ على الدستور. وكذلك نصت المادة (3) من دستور السودان الانتقالي لعام 1985، على إن (تسود أحكام هذا الدستور على جميع لقوانينه ويلغى من أحكام هذه القوانين ما يتعارض مع أحكام هذا الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض).
وسمو الدستور قد يكون سموا موضوعياً (مادياً) وقد يكون سموا شكلياً:

1- السمو الموضوعي أو المادي للدستور:
القواعد الدستورية تبين وتنظم من ناحية طريقة ممارسة السلطة في الدولة، وهي من ناحية أخرى تبين وتحدد الفلسفة والأساس الأيديولوجي الذي يقوم عليه النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، ومن هذا المنطلق يجب أن يكون نشاط الحكام وهيئات الدولة المختلفة محكوماً بذلك الأساس في كل ما يصدر منه من قوانين وأنشطة مختلفة، لأن خروج الحكام وهيئات الدولة عن الأساس النظري للقواعد الدستورية يعتبر هدفاً لسند وجود تلك الهيئات وللأساس القانوني لاختصاصها وبالتالي يعتبر مساساً بجوهر الدستور وانتهاكا لسموه الموضوعي أو المادي.
والملاحظ إن السمو الموضوعي للدستور لا يقتصر على الدستور الجامد، بل يظهر كذلك في الدستور المرن. ذلك لأن المشرع العادي وان كان يملك حق تعديل نصوص الدستور المرن بنفس إجراءات تعديل القانون العادي، إلا أنه ملزم دائماً باحترام الأساس النظري الذي يقوم عليه الدستور.
ويترتب على مبدأ السمو المادي للدستور عدة نتائج مهمة، منها: أن القواعد الدستورية ملزمة لجميع هيئات الدولة وأن أي نشاط يكون مخالفاً لهذه القواعد لا يتمتع بأي أثر قانوني لأنه يمس مبدأ المشروعية الذي يعني وجوب احترام القوانين العادية الصادرة عن السلطة التشريعية والالتزام بها وضرورة مطابقة تلك القوانين للنصوص الدستورية. وبما أن الدستور هو مصدر جميع السلطات العامة في الدولة، فهذا يعني أن هذه السلطات (رئيس دولة، مجالس تشريعية إلخ…) لا تمارس حقاً شخصياً تتصرف به كما تشاء، وانما تمارس وظيفة تحددها النصوص الدستورية وتبين شروطها ومداها، وينتج عن ذلك ان هذه السلطات لا تستطيع تفويض غيرها في ممارسة اختصاصها إلا في حالة إباحة الدستور للتفويض بنص خاص وذلك عملاً بالمبدأ الذي يقول: (الاختصاصات المفوضة لا تقبل التفويض). هذا وان مبدأ سمو الدستور لا ينتج أثره القانوني ما لم تنظم وسائل تكفل احترامه، أي بتنظيم الرقابة على دستورية القوانين. ولا يمكن تنظيم هذه الرقابة ما لم يتحقق للدستور السمو الشكلي بجانب السمو الموضوعي.

2- السمو الشكلي للدستور:
يتحقق السمو الشكلي للدستور إذا كانت الإجراءات المتبعة في تعديله تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي، وهذه الإجراءات تكون أشد صعوبة واكثر تعقيداً من تلك المتبعة في تعديل القانون العادي. وعلى هذا الأساس لا يتحقق السمو الشكلي إلا بالنسبة للدساتير الجامدة فقط، لأن إجراءات تعديلها، كما ستمر بنا تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي. فصفة الجمود أذن هي التي تسبغ على الدستور سموا شكلياً على القوانين العادية إضافة إلى السمو الموضوعي.
والسمو الشكلي يشمل جميع القواعد التي تتضمنها الوثيقة الدستورية سواء كانت قواعد دستورية موضوعية أو قواعد شكلية، ولا يمتد هذا السمو إلى القواعد القانونية العادية وان كانت هذه القواعد ذات طبيعة دستورية. (فالعبرة أذن في السمو بشكل القاعدة لا بمضمونها).
وتبعاً لذلك لا يتحقق السمو الشكلي للدساتير المرنة، بالرغم من تمتعها بالسمو الموضوعي، ولذلك بالنظر لعدم وجود فرق بين القواعد الدستورية المرنة والقانون العادي من الناحية الشكلية، لأن إجراءات تعديل الدستور المرن والقانون العادي واحدة
نخلص مما تقدم إلى أن الدساتير الجامدة وحدها تتمتع بالسمو الموضوعي والشكلي معاً أما الدساتير المرنة فلا تتمتع إلا بالسمو الموضوعي فقط دون السمو الشكلي.

الاستثناء الذي يرد على مبدأ الدستور:
تعتبر نظرية الضرورة استثناء أو قيداً يرد على مبدأ سمو الدستور والنتائج المترتبة عليه. وتستمد هذه النظرية مدلولها من القاعدة الرومانية القديمة التي تقول: (إن سلامة الشعب فوق القانون).
وخلاصة النظرية هي أن القواعد الدستورية وجدت لتنظيم ممارسة السلطة في الدولة وهذا التنظيم يرتكز على مبادئ معينة تهدف بالدرجة الأساس إلى تقييد سلطة الحكام وإيجاد نوع من الفصل والتوازن بين هيئات الدولة المختلفة وذلك من أجل تأمين وحماية مبدأ سيادة القانون وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية. غير أن هذه المبادئ قد شرعت للظروف الطبيعية، أما إذا استجدت ظروف استثنائية قاهرة من شأنها المساس بكيان الدولة أو بالسلامة العامة للمجتمع كحالة الحرب والأزمات الحادة من سياسية واقتصادية أو حالة التمرد أو العصيان لابد من مواجهتها باتخاذ تدابير استثنائية.
فحالة الظرورة، أذن تجيز للدولة أو لإحدى هيئاتها، وغالباً ما تكون الهيئة التنفيذية (رئيس الدولة أو الحكومة)، أن تعلق كل أو بعض نصوص الدستور، أو تجيز للسلطة التنفيذية ممارسة عملية تشريع القوانين وإصدار المراسيم خلال مدة من الزمن، ويجب إلا تستمر هذه المدة إلا لمواجهة الظروف التي أدت إليها ويجب العودة إلى الحالة الطبيعية حال زوال تلك الظروف ذلك لأن الضرورة تقدر بقدرها.
وتجد نظرية الضرورة أساسها في كتابات بعض الفقهاء الألمان منهم (هيكل) (واهرنك) (وجيلبينك). فقد برر هيكل خروج الدولة على القانون في أحوال الضرورة بقوله: (أن الدولة هي التي أوجدت القانون، وهي تخضع له لتحقيق مصالحها، وعلى ذلك فلا خضوع عليها إذا كان تحقيق صالحها هو في عدم الخضوع. إن القانون وسيلة لغاية وهي لحماية الجماعة فأذا لم ترد القواعد القانونية إلى هذه الغاية فلا يجب الخضوع للقانون، وعلى الدولة أن تضحي به في سبيل الجماعة).
أما الفقيه (جيلينك) فقد برر نظرية الضرورة بقوله: (من الأمور الطبيعية أن تواجه الدولة والحكم حالات تفرض اتخاذ تدابير فورية، يجب في الأحوال العادية أن تصدر عن طريق التشريع. فإذا أنكر الدستور على الحكومة أن تحل محل السلطة التشريعية، فأنه أنما يعمل بذلك على إيجاد حالة يجب تجنبها، غير أن الحكومة تجد نفسها مضطرة، تحت ضغط الحوادث إلى مواجهة الضرورة على مسؤولياتها، بكل الوسائل المتاحة لها. وعلى المشرع فيما بعد أن يرتب الأمور بحيث يسبغ على التدابير المتخذة صفة الشرعية التي تزيل انتهاك القانون الشكلي).
ويترتب على اعتبار نظرية الضرورة نظرية قانونية، وفقا للاتجاه الفقهي الألماني أنها تعد حقاً للدولة وينتج عن ذلك أن الأعمال والإجراءات التي تتخذها الدولة في أحوال الضرورة هي إجراءات مشروعة وتبعاً لذلك لا تترتب مسؤولية موظفي الدولة في اتخاذ هذه الأعمال والإجراءات، ولا يحق للأفراد المطالبة بالتعويض عما قد يلحقهم من ضرر من جراء ذلك.
أما الاتجاه السائد في الفقه الفرنسي فهو عدم الاعتراف بحق الضرورة المسلم به في الفقه الألماني. فإذا اضطرت الدولة إلى اتخاذ إجراءات مخالفة للقانون أو الدستور لدفع ضرر أو لمعالجة ظرف طارئ، فلا يرجع ذلك إلى حق قانوني لها وعلى هذا الأساس لا تعتبر حالة الضرورة نظرية قانونية ولكنها عبارة عن نظرية سياسية ولا يترتب عليها، كما هو الحال في الفقه الألماني، حقوق الدولة أو لموظفيها.
























المحاضرة الخامسة
 أنواع الدساتير:
أولاً:- أنواع الدساتير من حيث شكلها:
يعرف الدستور: بأنه مجموعة القواعد المتعلقة بتنظيم ممارسة السلطة وانتقالها في الدولة على هدى فكرة سياسية معينة،وهذه القواعد يمكن أن توجد بأحد طريقتين، فهي أما تصدر من المشرع الدستوري وتكون مدونة في وثيقة رسمية، وهذا ما يسمى بالدستور المدون أو تكون وليدة العرف والسوابق القضائية والتاريخية، دون أن تدون في وثيقة رسمية وهذا ما يطلق عليه الدستور غير المدون.
وتقسم الدساتير من حيث شكلها إلى دساتير مدونة وأخرى غير مدونة.
1- الدستور المدون:
هو الدستور الذي تصدر قواعده على شكل وثيقة رسمية واحدة، كما هو حال اغلب الدساتير المدونة. أو تصدر بعدة وثائق رسمية، كما هو حال دستور الجمهورية الثالثة الفرنسي لعام (1875) الذي صدر في ثلاث وثائق رسمية.
هذا وتعتبر الغالبية العظمى لدساتير دول العالم مدونة.
والأخذ بالدستور المدون لا يعني بالضرورة أن تتضمن الوثيقة الدستورية كافة القواعد المتعلقة بممارسة السلطة وانتقالها، فغالبا ما نجد إلى جانب الوثيقة الدستورية قوانين ووثائق ذات طابع دستوري وسياسي تعتبر متممة للوثيقة الدستورية في الموضوع الذي تعالجه، ومثال ذلك قوانين المجالس التشريعية وأنظمتها الداخلية.
والملاحظ أن القواعد الدستورية المدونة مهما كانت مفصلة فلا تستطيع مواكبة الظروف والتطورات التي تطرأ بعد صدورها، وهذا يؤدي إلى نشوء قواعد أخرى تفسرها أو تكملها أو تعدلها يكون مصدرها العرف والتفسيرات القضائية، التي صدرت بها أحكام من القضاء في موضوعات دستورية، وهذا ما تدل عليه الحياة الدستورية في الدول ذات الدساتير المدونة.
ومن ناحية أخرى قد تتضمن الوثيقة الدستورية، إلى جانب القواعد الدستورية بطبيعتها، قواعد لا علاقة لها بممارسة السلطة، نصفها بالقواعد الدستورية الشكلية والحكمة من وجود هذه القواعد في صلب الوثيقة الدستورية هي الرغبة في حماية تلك القواعد وذلك برفعها إلى منزلة النصوص الدستورية، بحيث يتعذر بعد العمل بالدستور المساس بها، إلغاء أو تعديلاً، إلا وفقاً بالطريقة التي يعدل الدستور ذاته.
ابتدأت حركة تدوين الدساتير في الظهور منذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر كان ذلك في دول أمريكا الشمالية بعد تحررها من الاستعمار الإنكليزي ما بين عام (1776) وعام (1781)، وبعد ذلك صدر الدستور الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية عام (1787).
ومن الولايات المتحدة الأمريكية انتقلت قاعدة الدستور المدون إلى أوربا، فكان دستور (3) أيلول (1791) الفرنسي أول دستور مدون.
وبعد ذلك ظهرت في أوربا طائفة من الدساتير المدونة بين عامي (1830) و(1848).
لقد ساد الاعتقاد لدى مفكري القرن الثامن عشر أن الدستور المدون أسمى من الدستور غير المدون لما يمتاز به الأول من دقة الأحكام ووضوحها وتحديدها، واعتبروه بمثابة تجديد للعقد الاجتماعي وأداة يستطيع الفرد بموجبها التعرف على حقوقها وواجباتها، ويسهل عليه معرفة الحدود المرسومة لاختصاصات القابضين على السلطة، واعتبروا الدستور المدون ايضاً وسيلة لتنمية وعي الأفراد السياسي وأداة للتهذيب الخلقي والسياسي وبفضله يرتفع الفرد إلى مرتبة المواطن والدستور كما يقول (تومابايان) لا يوجد إلا عندما يكون في مقدورنا وضعه في الجيب أي معرفة نصوصه بمضمونه.
هذا وانتشرت بعد ذلك حركة تدوين الدساتير بشكل واسع. فبعد الحرب العالمية الأولى ظهرت عدة دساتير مدونة منها: الدستور السوفيتي لعام (1918) والدستور الألماني لعام (1919) والدستور النمساوي لعام (1920) والدستور التركي لعام (1924). وبعد الحرب العالمية الأولى أيضا قامت في الوطن العربي دولة جديدة، وبعد انهيار الدولة العثمانية، أخذت كلها بقاعدة الدستور المرن، من ذلك الدستور السوري لعام (1920) والدستور المصري لعام (1923) والدستور العراقي لعام (1925) والدستور اللبناني لعام (1926).
وبعد الحرب العالمية الثانية انحسر المد الاستعماري أي أجزاء كثيرة من العالم وأدى ذلك من دولة وطنية وضعت جميعها دساتير مدونة مؤكدة في ذلك كيانها السياسي والدولي، ومما يذكر في هذا الصدد أن عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أصبح في عام (1984) (159) دولة. وهذا يعني أن عدد الدساتير المدونة في العالم يزيد على هذا الرقم.

2- الدستور غير المدون:
ويقصد به الدستور الذي لا يتدخل المشرع الدستوري في وضع أحكامه وتثبيتها في وثيقة معينة بل يستمد أحكامه من العرف والسوابق القضائية.
ويطلق جانب من الفقه مصطلح الدستور العرفي على الدستور غير المرن نظراً لأن العرف يكون المصدر الرئيسي لأحكامه، ولكمن مصطلح الدستور غير المدون اكثر دقة من مصطلح الدستور العرفي، لأنه يتسع ليشمل جميع المصادر غير التشريعية سواء تمثلت في العرف أو في التفسيرات القضائية.
لقد بالغ أنصار الدستور غير المرن في ذكر مزاياه، فقالوا أنه يمتاز بالمرونة وبسهولة التطور والنمو، فهو ليس من وضع شخص أو هيئة معينة وانما هو وليد المجتمع ومن نتاج طبيعة الكائنات، يساير الحياة المتغيرة والظروف المتجددة ويلبي حاجات المجتمع السياسي.
ولقد دافع الفيلسوف الفرنسي (دي بونالد) في كتابه عن نظرية السلطة السياسية والدينية الصادرة عام (1796) بحرارة عن الدستور غير المدون، وانكر الدستور المدون. لأن الدستور عنده يستمد أحكامه من التقاليد والأعراف ويصدر من أعماق التاريخ، ولا يمكن كتابة الدستور لأنه الوجود والطبيعة، ولا يمكن كتابة الوجود ولا الطبيعة، وكتابة الدستور تعني قلب مفاهيمه.
والمثال الواضح للدستور غير المدون هو الدستور الإنكليزي ويكاد يكون المثال الوحيد للدستور غير المدون في العصر الحديث. فلا توجد في إنكلترا (كما هو الحال بقية دول العالم) وثيقة مدونة تسمى بالدستور الإنكليزي. لأن الغالبية العظمى من القواعد الدستورية المطبقة في هذا البلد نشأت وتطورت استناداً إلى التقاليد والأعراف والسوابق القضائية، وعلى هذه الأساس لا توجد في إنكلترا نصوص مدونة تقرر النظام الملكي أو تحدد سلطات الملك، أو تلك التي تقرر الأخذ بنظام المجلسين أو عدم مسؤولية الملك أو تلزم اختيار رئيس الحكومة من بين أعضاء مجلس العموم أو تقرر المسؤولية الوزارية.. الخ. فهذه القواعد وغيرها طبقت واستقر العمل بها منذ أجيال عديدة غير أنها مدونة في وثيقة رسمية صادرة من المشرع تسمى بالدستور الإنكليزي.
بيد أنه عندما نقول إن الدستور الإنكليزي وهو دستور غير مرن، فلا يعني هذا عدم وجود قواعد دستورية مدونة في إنكلترا، فهذه القواعد وجدت في وثائق لها أهميتها في التنظيم السياسي لهذا البلد، ولكنها تعتبر استثناء من الأصل ومن هذه القواعد:
- العهد الأعظم: Magna Carta سنة (1215).
- ملتمس الحقوق: Peition of Rights سنة (1628).
- قانون الحقوق: Bill of Rightsسنة (1689).
- قانون توارث العرش:Act of Settlement سنة (11701).
- قانون البرلمان: Parliament Actسنة (1911).
- قانون الوصايا على العرش: Ther Regency Bill سنة (1937).

القانون الصادر عام (1949) الخاص بتقييد اختصاصات مجلس اللوردات والقانون الخاص بالأعضاء الدائمين في مجلس اللوردات الصادر عام (1958) الذي سمح للنساء بأن يصبحن عضوات بمجلس اللوردات.

تقدير تقسيم الدساتير إلى مدونة وأخرى غير مدونة:
تعد الدساتير غير المدونة اسبق في الظهور من الدساتير المدونة، إذ كانت الدساتير غير المدونة حتى القرن الثامن عشر القاعدة، والدساتير المدونة تمثل الاستثناء.
غير أن الواضع تغير تدريجياً بعد منتصف القرن الثامن عشر بحيث أصبحت الدساتير المدونة تكون القاعدة والدساتير غير المدونة الاستثناء، ويعود هذا التحول إلى (حركة التدوين الدستوري التي كانت تدعو إلى تدوين الدستور، لأنه بالنسبة لها يعتبر ير وسيلة لتقييد سلطات الحكام المطلقة، ولهذا يجب أن يكون الدستور واضحاً ولا يكون كذلك إلا إذا كان مدوناً، وعلى هذا الأساس اعتبر فلاسفة القانون الطبيعي في القرنين السابع والثامن عشر، الدستور بأنه عقد اجتماعي يحدد ما تنازل الأفراد عنه من حريات عندما كانوا يعيشون في حالة طبيعية، ومقدار ما سيحتفظون به من هذه الحراسات بعد تأسيس الدولة، وعليه فأن إقامة الدستور الذي هو تجسيد للعقد الاجتماعي، لا يمكن أن يتم إلا بواسطة الكتابة أي أن يتبلور في مجموعة قواعد مكتوبة أو مدونة، ولا يمكن أن يترك أمر تحديد الدستور للعرف، الذي هو بطبيعته غير محدد). والملاحظ، كما رأينا أن أنصار الدساتير المدونة قد بالغوا في ذكر مزاياها كما بالغ أنصار الدساتير غير المدونة أيضاً في ذكر مزاياها.
غير ان الواقع يثبت أن العبرة في نفاذ الدستور واحترام قواعده ليست بتدوينه أو عدم تدوينه، بل تستمد القواعد الدستورية قوتها من وعي أفراد المجتمع السياسي ومدى تعلقهم بها، وعندما يتوفر الوعي يستوي أن تكون القاعدة مدونة أو غير مدونة فالوعي السياسي في إنكلترا ضمن لدستورها الاحترام والثبات بالرغم من أن أغلب قواعده غير مدونة. أما إذا تخلف هذا الوعي، فلن يجد المجتمع السياسي عندئذ تدون الدستور. فكثير ما تحول مجتمع معين يسير وفق دستور مدون من حكم ديمقراطي إلى حكم مطلق، بل وقد يتم هذا التحول في ظل نفس القواعد الدستورية، وهذا ما حدث فعلاً في إيطاليا أبان الحكم الفاشي.
هذا وان تقسيم الدستور إلى مدون وغير مدون وهو تقسيم نسبي وليس تقسيماً مطلقاً ذلك لأن الدساتير المدونة لا يمكن أن تستغني عن الأطراف الدستورية التي تنشأ جنباً إلى جنب مع القواعد الدستورية المدونة، لكي تقوم بتفسير الغامض منها أو لتكمل الناقص فيها. والدستور غيرا لمدونة لا يمن الاستغناء كذلك عن القواعد الدستورية الصادرة من المشرع الدستوري كما هو الحال في إنكلترا.
أذن فالتقسيم يقوم على أساس السمة الغالبة في الدستور، فأذا كانت القواعد المدونة هي الغالبة فالدستور غير مرن وأذا كانت القاعد المدونة هي الغالبة فالدستور مدون، وإذا كانت القواعد عبر غير المدونة هي الغالبة فالدستور غير مدون. والملاحظ إن هذا لتقسيم فقد أهمته في الوقت الحاضر نتيجة للتدخل بين القواعد الدستورية المدونة وغير المدونة من ناحية وجنوح غالبية دول العالم في العصر الحديث، من ناحية أخرى إلى الدساتير المدونة ذلك لأن التشريع كما هو معروف أحتل الصدارة كمصدر من مصادر القاعدة الدستورية، بشكل خاص، والقاعدة القانونية بشكل عام.

ثانياً:- أنواع الدساتير من حيث إجراءات تعديلها
تقسم الدساتير من حيث الإجراءات المتبعة في تعديلها إلى نوعين هما:
1- الدستور المرن:
وهو الدستور الذي يمكن تعديله بأتباع نفس إجراءات تعديل القواعد القانونية العادية. وعلى هذا الأساس يستطيع المشرع العادي المساس بالنصوص الدستورية المرنة تعديلاً أو إلغاء وفقاً لنفس الإجراءات التي يتبعها في تعديل قواعده القانونية العادية.
ويترتب على ذلك أن الدستور المرن لا يتمتع بأي سمو شكلي على القانون العادي، فلو أصدر المشرع العادي قانوناً خالف به نصاً دستوريا مرنا، فهذه المخالفة تعد تعديلاً للنص الدستوري المرن.
وينبني على ذلك عدم وجود فرق بين الدستور المرن والقانون العادي من الناحية الشكلية، ويبقى الفرق موجوداً من الناحية الموضوعية فقط، لأن الموضوع الذي تعالجه النصوص الدستورية يختلف، بطبيعة الحال عن المواضيع التي تنظمها وتعالجها القواعد القانونية العادية.
هذا وتعد الدساتير العرفية أثر الدساتير مرونة، لأنها كما تنشأ عن طريق العرف والسوابق القضائية، فأن أمر تعديلها يتم بنفس الطريقة أيضا أي بتكوين قواعد عرفية جديدة تأخذ مكان القواعد العرفية القديمة، كما يستطيع المشرع العادي تعديل تلك القواعد وفقاً لنفس الإجراءات المعتادة في تعديل القاعد القانونية العادية.
والمثال البارز للدستور المرن هو الدستور الإنكليزي، الذي يستمد أغلب أحكامه من العرف والسوابق القضائية، ولهذا يستطيع البرلمان الإنكليزي تعديل القواعد الدستورية بنفس الطريقة والإجراءات المتبعة من قبله في وضع وتعديل التشريعات العادية.
هذا وليس حتمياً أن تكون جميع الدساتير العرفية مرنة، لأنه وجدت قواعد دستورية عرفية غير مرنة (جامدة) ففي المدن اليونانية القديمة وجدت تفرقة بين القوانين العادية وطوائف أخرى من القوانين مثل القوانين الدائمة (Permantent Laws) وقوانين المدينة (Laws of the City) إذا كان يشترط لتعديل هذه الأخيرة شروط وإجراءات خاصة. وفي ظل الملكية المطلقة في فرنسا وجدت القوانين الأساسية للمملكة التي لم يكن يكفي لتعديلها موافقة السلطة التشريعية العادية المتمثلة في شخص الملك وانما كان يشترط كذلك موافقة الهيئة النيابية المسماة بمجلس الطبقات وفي مقابل ذلك فقد وجدت دساتير مدونة ولكنها مرنة ومثال ذلك دستورا فرنسا لعام (1814) ولعام (1830) ودستور جنوب أفريقيا لعام (1909) والدستور السوفيتي لعام (1918) ودستور أيرلندة الحرة لعام (1922) وكذلك الدستور الإيطالي لعام (1848) الذي أستمر العمل بموجبه حتى نهاية الحرب العالمية الثانية حتى أدخلت عليه تعديلات كثيرة أبان الحكم الفاشي في عهد (موسوليني) عام (1939)، تمت جميعها بقوانين عادية.
فالملاحظ أذن هو عدم وجود تلازم حتمي بين الدساتير المرنة والدساتير غير المدونة بالرغم من أن أغلب القواعد الدستورية غير المدونة هي مرنة. ولا يوجد تطابق كذلك بين الدساتير الجامدة والدساتير المدونة، بالرغم من أن أغلب الدساتير المدونة هي دساتير جامدة. إذن فالحكم على دستور معين بأنه مرن يتوقف على طريقة تعديله، فمتى ما تماثلت هذه الطريقة مع طريق تعديل القانون العادي كان الدستور مرناً ويستوي بعد ذلك أن يكون الدستور قد وضع عن طريق هيئة خاصة غير الهيئة التشريعية العادية (سواء كانت منتخبة أو معينة) أو بإجراءات مختلفة عن إجراءات وضع القانون العادي، أو أن يكون الدستور قد وضعته ذات الهيئة التشريعية العادية وبإجراءات وضع القانون العادي، كما حدث ذلك بالنسبة لدستور فرنسا لعام (1830).



2- الدستور الجامد:
وهو الدستور الذي لا يمكن تعديله وفقاً لنفس إجراءات تعديل القواعد القانونية العادية، غير أن هذا لا يعني أن الدستور الجامد لا يعدل مطلقاً إذ يمكن تعديله ولكن بأتباع إجراءات خاصة تختلف عن تلك المتبعة في تعديل القواعد القانونية العادية وغلباً ما تكون تلك الإجراءات أعقد من تلك المتبعة في تعديل التشريعات العادية. وغنى عن البيان أن تلك الإجراءات ينص عليها عادة في صلب الدستور.
وعلى هذا الأساس فلو أصدر المشرع العادي قانوناً خالف به نصاً دستورياً جامداً فلا تعتبر هذه المخالفة تعديلاً للنص الدستوري الجامد وحينذاك تثور مسألة الرقابة على دستورية القوانين، ذلك لأن الدستور الجامد يتمتع وحده بعلو وسمو على القواعد القانونية العادية ولا يمكن والحالة هذه للقاعدة الدنيا مخالفة القاعدة التي تعلوها في المرتبة استناداً لمبدأ التدرج القانوني.
وصفة الجمود تسري على جميع القواعد الواردة في صلب الوثيقة الدستورية سواء كانت قواعد دستورية موضوعية أو قواعد دستورية شكلية وتسري كذلك على القوانين العادية ذات الطبيعية الدستورية.
والملاحظ أن إجراءات تعديل النصوص الدستورية الجامدة تختلف من دستور لآخر وذلك حسب درجة جمود الدستور فكلما كان الجمود شديداً كانت إجراءات التعديل أكثر صعوبة وتعقيداً من تلك المتبعة في تعديل القواعد القانونية العادية وعلى خلاف ذلك كلما كان اختلاف هذه الإجراءات عن القواعد القانونية العادية طفيفاً كان الجمود بسيطاً. فقد يشترط الدستور مثلاً، لإجراء تعديل نص من نصوصه، ضرورة اجتماع المجلسين التشريعيين في هيئة مؤتمر، إذا كان برلمان الدولة يتكون من مجلسين وقد يشترط لإجراء التعديل أيضا أغلبية خاصة تختلف عن الأغلبية المطلوبة لتعديل القوانين العادية كاشتراط أغلبية الثلثين أو ثلاثة أخماس أو ثلاثة أرباع أعضاء المؤتمر مثلاً.
وقد يشترط الدستور كذلك ضرورة موافقة المواطنين على التعديل وذلك عن طريق الاستفتاء الدستوري.
هذا وان الاختلاف في إجراءات التعديل قد يكون شكلياً بحتاً، بحيث أن الإرادة التي تعدل القانون العادي هي نفسها التي تعدل الدستور ولكن الأسلوب الذي يتبع للتعبير عن هذه الإرادة يختلف في تعديل الدستور عنه في تعديل أو وضع القوانين العادية.

نوعا الجمود الدستوري وأهمية تقسيم الدساتير إلى مرنة وجامدة:
الجمود الدستوري على نوعين هما: الجمود النسبي والجمود المطلق:
يكون الدستور جامدا جمودا نسبياً إذا كانت إجراءات تعديله تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي بالشكل الذي ذكرناه أعلاه.
أما الجمود المطلق فيعني تحريم تعديل الدستور جزئياً أو كلياً بشكل مطلق. والجمود المطلق يأخذ عدة صور وهي:
1- تحريم المساس ببعض نصوص الدستور بشكل مطلق، وينصب هذا المنع على نصوص محددة تعالج موضوعات معينة، ويسمى بالحظر الموضوعي أو بالجمود المطلق الجزئي.
2- تحريم المساس بجميع نصوص الدستور خلال فترة زمنية معينة وهذا يسمى بالحظر الزمني أو الجمود المطلق الكلي الموقت.
3- تحريم المساس بجميع نصوص الدستور بشكل مطلق ودون تحيد لفترة زمنية معينة وهذا المنع يسمى بالحظر المطلق أو الجمود المطلق الكلي الدائم ومن أمثلة الدستور اليوناني الصادر عام (1864).
ونظراً للعلاقة الوثيقة بين الحظر الزمن والحظر الموضوعي من ناحية وتعديل الدستور من ناحية أخرى فسنتكلم عليهما عند الكلام عن تعديل الدستور.
أما فيما يتعلق بالحظر المطلق أو الجمود المطلق الكلي الدائم فهناك اختلاف بين الفقهاء حول مشروعيته ولكن وفق للرأي الراجح أن ليس كل حظر مطلق مرفوض ولا كل حظر مطلق مقبول ، فالمسألة تعتمد على مضمون الحظر وهدفه البعيد. فكل حظر هدفه الحفاظ على مبدأ الدستورية مطلوب وهذا ما يقرره الشعب صاحب السلطة الحقيقي فأرادته هي التي تقرر جمود الدستور المطلق وهي التي تقره لأن الشعب هو المالك الوحيد لأرادته.
وقد جسدت الثورة الفرنسية هذه الحقيقة فنصت المادة الأولى من الفصل السابع من دستور عام (1791) الفرنسي على أن (الجمعية الوطنية التأسيسية تعلن بأن حق الأمة بتغيير دستورها غير قابل للسقوط أو التقادم).




المحاضرة السادسة
 تعديل الدستور:
القواعد الدستورية هي في حقيقتها انعكاس للأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع السياسي، تؤثر وتتأثر بها، وبما أن هذه الأوضاع في تطور وتغير مستمر، بات لزاماً على القواعد الدستورية مواكبة التطورات المختلفة التي ترافق المجتمع السياسي وذلك بإجراء التعديلات الضرورية والتي تفرض سنة التطور.
وفكرة تعديل الدستور نشأت في الواقع، مع ظهور الدساتير واستقرت باستقرارها.
وتعديل الدستور يكون على نوعين، فإذا اتبعت الإجراءات المنصوص عليها في صلب الدستور والخاصة بتعديل أحكامه يكون التعديل رسمياً، أما إذا لم يتم التعديل وفق قواعد الدستور نفسه فيكون التعديل عرفياً.
وكلامنا على تعديل الدستور سينصرف على التعديل الرسمي فقط، ذلك لأننا سبق وتكلمنا على التعديل العرفي وذلك بمناسبة الكلام على العرف المعدل. والتعديل الرسمي للدستور يثير عدة أمور وهي:-
معرفة السلطة المختصة بالتعديل، والقيود التي تفرض على سلطة التعديل، واخيراً اجراءت التعديلات.

1- السلطة المختصة بالتعديل:
يميز الفقهاء بين سلطتين هما: السلطة التأسيسية الأصلية، والسلطة التأسيسية المنشأة (المشتقة).
السلطة الأولى تناط بها مهمة وضع دستور لدولة جديدة أو وضع دستور جديد للدولة بدلاً من دستورها القديم. وهذه السلطة هي التي تضع القواعد التي يتم بموجبها تكوين وتثبيت عمل السلطات المنشأة أو المؤسسة التي يتم بموجبها تكوين وتثبيت عمل المنشأة أو المؤسسة، كالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. والسلطة التأسيسية الأصلية، وهي في سبيل تحقيق هذه المهمة لا تتلقى اختصاصاتها من أي دستور قائم، فهي حرة في اختيار الأيدلوجية أو الفلسفة السياسية التي يقوم عليها نظام الحكم في الدولة. وغني عن البيان أن السلطة التأسيسية الأصلية هذه قد تكون فرداً واحداً وقد يكون جمعية منتخبة من قبل الشعب أو قد تكون الشعب نفسه يمارسها بشكل مباشر.
أما السلطة التأسيسية المنشأة (المشتقة) فهي سلطة معينة من قبل الدستور نفسه، وهي التي تتكفل بإجراء التعديلات على دستور ساري المفعول. ولهذه تعتبر السلطة التأسيسية المنشأة هيئة في الدولة (أي سلطة مؤسسة)، وعلى هذا الأساس تكون سلطة مقيدة بنصوص الدستور من حيث تكوينها ومن حيث عملها.
لقد ثار نقاش طويل بين الفقهاء بصدد الإجابة عن تساؤل مهم حول مدى صلاحية السلطة التأسيسية في التعديل مفاده: هل تستطيع السلطة التأسيسية الأصلية (واضعة الدستور) التدخل في أي وقت تشاء، من أجل تعديل الدستور، مهملة بذلك السلطة المختصة بالتعديل والمنصوص عليها في صلب الدستور؟.
لقد أيد فكرة تدخل السلطة التأسيسية الأصلية في تعديل الدستور، فقهاء القانون الطبيعي منهم الفقيه (Vattl)، وذهبوا إلى ضرورة الموافقة الإجماعية للأمة على التعديل ذلك لأن الدستور هو التعبير عن فكرة العقد الاجتماعي التي قام عليها المجتمع السياسي. وبما أن هذا العقد لم يتم إبرامه إلا بإجماع الأفراد فأن أي تعديل يطرأ عليه لا يتم إلا بذات الطريقة أي الموافقة الإجماعية للأفراد.
غير أن هذا الرأي يؤدي إلى استحالة الإجماع في هذا الخصوص، الأمر الذي جعل الفقيه (فاتيل) يتراجع عن رأيه، وذهب إلى الاكتفاء برأي أغلبية أفراد الجماعة على التعديل مع اعتراف بحق الأقلية في المعارضة. أما الفقيه الفرنسي (Sieyes) فذهب إلى أن تعديل الدستور هو حق منوط بالأمة ذاتها باعتبارها صاحبة السيادة: وهي تستطيع إن شاءت، أن تنيب عنها ممثليها في أجراء التعديل أو أن تقوم هي نفسها بهذه المهمة والاكتفاء في التعديل بتوافر الأغلبية.
غير أن هذه الآراء الفقهية لم يكتب لها النجاح، فساد الاعتقاد في فقه القانون الدستوري بإسناد مهمة تعديل الدستور للسلطة التي أناط بها الدستور هذه المهمة وبالطريقة التي يحددها بشرط أن تراعي إجراءات التعديل المنصوص عليها في صلب الدستور.
وسلطة التعديل هذه، كهيئة من هيئات الدولة، تكون من الناحية الدستورية في نفس المركز تتمتع به بقية هيئات الدولة ولكن نظراً لأهمية سلطة التعديل من الناحية السياسية فالسلطة التأسيسية الأصلية، تحاول عند وضعها للدستور تمنح سلطة التعديل هذه إلى الهيئة التي تحرص على تفضيلها سياسياً.
فتارة تناط سلطة التعديل بالهيئة التنفيذية أو بهيئة تخضع لأشرافها (كما كان عليه الحال في ظل الإمبراطورية في فرنسا)، وأحيانا تناط سلطة التعديل بالبرلمان أو بهيئة متفرعة عنه كما كان عليه الحال في ظل دستور (1875) الفرنسي وكما هو الحال في ظل الدستور السوفيتي لعام (1977) (م174) واخيراً قد تعطي سلطة التعديل للشعب ذاته ، الذي قد يمارسها بواسطة هيئة منتخبة من قبله كما هو الحال في أغلبية دساتير الولايات المتحدة الأمريكية. أو يمارسها الشعب مباشرة عن طريق الاستفتاء الدستوري. كما هو الحال في ظل الدستور الفرنسي لعام (1958) (ف2، م89).

2- القيود التي ترد على سلطة التعديل ومدى قيمتها القانونية:
سبق أن قلنا بأن هناك اختلافاً فقهياً حول الحظر المطلق أو الجمود المطلق الكلي الدائم للدستور من حيث مدى مشروعيته.
بيد أن صعوبة أو تعقيد إجراءات الدستور الجامد واختلافها عن الإجراءات تعديل القانون العادي شيء والقيود التي يفرضها المشرع الدستوري على سلطة التعديل شيء آخر. ففي الحالة الأولى تكون أمام جمود نسبي للدستور، أما في الحالة الثانية فنكون أمام منع نسبي لتعديل الدستور ويأخذ المنع صورتين هما، الحضر الموضوعي والحظر الزمني.

أ‌- الحظر الموضوعي:
وهو المنع الذي يرد على نصوص معينة في الدستور تعالج وتجسد أحكاماً ومبادئ معينة، يعتقد المشرع بضرورة حمايتها وذلك عن طريق حظر تعديلها، أما بصورة دائمة أو مؤقتة. وعلى هذا الأساس فالحظر الموضوعي يأخذ شكلين، فهو أما أن يكون حظراً دائماً أو محذرا مؤقتاً.
ومن أمثلة الدساتير التي تحظر تعديل بعض الأحكام الواردة فيها بشكل دائم دساتير فرنسا للأعوام (1875) (المادة الثانية من القانون الدستوري المضاف للدستور والصادر في 14/8/1884) و (1946/م950) و(1958/ف5 من المادة 89)، والتي نصت جميعها على عدم جواز اقتراح تعديل شكل الحكم الجمهوري. وقد جاء بحظر مماثل كل من الدستور الإيطالي لعام (1947/م139) والدستور التونسي لعام (1959/م72). أما الدستور الجزائري لعام (1976) فقد نصت المادة (195) منه على إن أي مشروع لتعديل الدستور لا يمكن أن يمس الصفة الجمهورية للحكم ودين الدولة والاختيار الاشتراكي والحريات الأساسية للأنسان والمواطن ومبدأ التصويت عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري ولا ان يمس مشروع التعديل كذلك بسلامة التراب الوطني.
ونصت الفقرة /ج من المادة (104) من دستور البحرين لعام (1973) على عدم جواز اقتراح تعديل مبدأ الحكم الوراثي وكذلك الحرية والمساواة كما لا يجوز اقتراح تعديل المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع، ولغتها الرسمية هي اللغة العربية. ومن هذا القبيل نصت المادة (175) من الدستور الكويتي لعام (1962) على عدم جواز اقتراح تعديل الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في الدستور.
أما الحظر الموظوعي المؤقت فيعني عدم جواز المساس ببعض نصوص الدستور خلال فترة زمنية بسبب وجود ظروف معينة، فإذا زالت تلك الظروف ارتفع الحظر. ومن أمثلة النص على عدم جواز تعديل النصوص الدستورية، المتعلقة بحقوق الملك ووراثة العرش أثناء الوصايا في النظم الملكية، كما كان عليها الحال في ظل الدستور.المصري لعام (1923/م158) وفي ظل القانون الأساسي العراقي لعام (1925/ف1 من المادة/22/0 وقد جاء الدستور الأردني النافذ والصادر في عام 1925 بحكم مماثل في هذا الصدد/ ف2 من المادة/126)
ومن الأمثلة الأخرى للحظر الموضوعي المؤقت ما جاءت به المادة (176) من الدستور الكويتي والتي نصت على عدم جواز اقتراح تعديل صلاحيات الأمير المبنية في الدستور خلال فترة النيابة عنه.
ولقد تضمن الدستور الفرنسي لعام (1958) حظراً موضوعياً مؤقتاً مفاده عدم جواز تطبيق المادة (89) منه (لأي سبب كان) وانتخاب رئيس جديد (انظر الفقرة/11 من المادة /7 من دستور 1958 الفرنسي).

ب‌- الحظر الزمني:
يهدف هذا الحر إلى حماية أحكام الدستور من التعديل خلال فترة من الزمن، وهذه الفترة قد تكون محددة أو غير محددة ولكنها مؤقتة في جميع الأحوال. من أمثلة هذا الحظر ما جاء به الدستور الفرنسي لعام (1791) الذي منع إجراء أي تعديل على نصوصه لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ نفاذه (انظر المادة الثالثة من الباب السابع بدلالة المادة الثانية: الفصل الأول من الباب الثالث من هذا الدستور). وكذلك الحظر الزمني الذي فرضته المادة (119) من القانون الأساسي العراقي لعام (1925) لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ نفاذه (عدا الأمور الفرعية من الدستور والتي أجازت الماد/118 تعديلها خلال سنة واحدة فقط من تاريخ نفاذ الدستور).
كما تضمن الدستور الكويتي لعام (1962) حظراً زمنياً. لمدة خمس سنوات تبدأ من تاريخ العمل به (م/174). ونصت المادة (151) من الدستور السوري لعام (1973) على عدم جواز تعديله قبل انقضاء ثمانية عشرا شهراً على تاريخ نفاذه. وقد يفرض الحظر الزمني بسبب ظروف استثنائية يمر بها البلد كالاحتلال الأجنبي، ومثال ذلك ما نص عليه الدستور الفرنسي لعام (1946) من عدم جواز تعديله في حالة احتلال قوات أجنبية لأرض الوطن أو جزء منه.
أما ما يتعلق بالقيمة القانونية للخطر الموضوعي والحظر الزمني، فهناك اختلاف فقهي حول قيمة النصوص التي تفرض الحظر. فمن الفقهاء من ذهب إلى تجريد تلك النصوص من كل قيمة قانونية، ذلك لأن السلطة التأسيسية الحالية لا تمنع بأية صفة في إمكانية تحديد (تقييد) السلطة التأسيسية المستقبلية ولا يمكن والحالة هذه تبرير الجمود الدستوري (الحظر الموضوعي والحظر الزمني) من الناحية القانونية، لأنه يتنافى مع القانون ويتنافى كذلك مع طبيعة الأشياء، وجميع التبريرات التي قيل بصدد الجمود، وخصوصاً فيما يتعلق بالخطر الموضوعي، وهي تبريرات سياسية الغرض منها الحفاظ على نظام سياسي معين أو حماية فكرة أو مكسب سياسي.
ولكن الواقع السياسي للمجتمعات لسياسية يؤكد بأن الجمود لا يتعارض دائماً مع القانون وطبيعة الأشياء. نعم أنه يمكن أن يكون كذلك في ظل ظروف معينة ولغايات محددة. ولكنه يمكن أن يكون أحيانا وسيلة مهمة وفعالة. للحفاظ على كل هو متقدم وسليم من المبادئ والقيم والأفكار التي إذا ما أزيلت بالتعديل أو غيره نجم ارتداد إلى كل ما سيئ ومتخلف، ويكفي أن نذكر كيف أن تعديلاً لإزالة القيود الدستورية المفروضة إلى ممارسة الحكام للسلطة يمكن أن يكون حقاً متعارضاً وفكرة القانونية والدستورية والحرية وحقوق الإنسان. ولهذا نجد أن الفقيه الفرنسي (جورج بيرو) يقول أن الحظر الزمني بسبب الظروف الاستثنائية، كالاحتلال الأجنبي لا شائبة فيه، ذلك تفادياً من تكرار ما حدث بفرنسا في 10/7/1940، ابان حكم المارشال (بيتان)، بعد الاحتلال الألماني لها.
لأن الاحتلال الأجنبي يشل في الواقع ممارسة السيادة الوطنية ويجعل من ممارسته السلطة التأسيسية أمراً مستحيلاً وبالتالي فأن أي تعديل على الدستور في مثل هذه الظروف، يكون معيباً.
وهذا السبب هو الذي حدا بالمشرع الدستوري الفرنسي، بعد الحرب العالمية الثانية، أن يفرض حظراً زمنياً مفاده عدم جواز تعديل الدستور في حالة احتلال، قوات أجنبية لأرض الوطن أو جزء منه. (المادة/94 من دستور عام 1946).

3- إجراءات تعديل الدستور:
من المعروف إن إجراءات تعديل الدستور الجامد تختلف عن إجراءات تعديل القانون العادي، بيد أن هذه إجراءات تختلف من دستور لاخر. ويمكن تقسيم هذه الإجراءات إلى ثلاثة مراحل أساسية هي: مرحلة اقتراح التعديل ومرحلة الموافقة على التعديل ومرحلة إقرار التعديل بصيغته النهائية.
- المرحلة الأولى: مرحلة اقتراح التعديل:
اختلفت الدساتير في الجهة التي تمنح حق ممارسة اقتراح التعديل وذلك تباعاً لاختلاف الاتجاه السياسي الذي يتبناه الد

خالد

المساهمات : 10
تاريخ التسجيل : 07/08/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى